الأربعاء، 18 مارس 2015

رواية فلتغفري7

أتعرفين ما الفرق بين حزني وحزنك يا جمان؟
حزنك مترف ومدلل، تنهارين أمام أول بوادر الرفض، فيثور كبرياؤك على جسدك وتقعين في غيبوبة حزن من الصعب أن ينتشلك أحد منها.
أما أنا فحزني حكاية طويلة، حكاية لا يعرفها غيري ولن يفهمها يوماً أحد، أنا رجل لا ينهار حينما يحزن، رجل يزداد صلابة، يزداد قسوة مع كل وعكة حزن، يزداد خشونة وجفافاً وأنت تعرفين بأن مصير كل عود يابس هو الكسر.
ليتك تعلمينني كيف أحافظ على ليونتي ومرونتي يا جمانة، أحتاج لأن أكون مثلكِ، أنت الشديدة الاخضرار كغصن طريّ نابض وحي.
ليتك تعلمينني كيف أضحك مثلك من الأعماق، كيف أنهار حينما أحزن، كيف أبكي عندما أحتاج، وكيف أعبر حينما أفتقد ولحظة أخاف وأشتاق.
أتدرين يا جمانة، أحتاج كثيراً لأن أبكي، أكبر حاجاتي في الحياة هي حاجتي إلى البكاء الآن.
قد لا تدركين كم من المؤلم أن تستجدي البكاء فلا تقدرين على ذلك، تخيلي بأني بت لا أقدر على البكاء!
أعرف أيضاً بأنك لن تصدقيني إن قلت لك بأني على استعداد لأن أقايض أي شيء في سبيل أن أسترد قدرتي على أن أبكي.
أتعبني الجفاف يا جمانة، أنهكني الجفاف، وامرأة ناضجة مثلك لن تفهم يوماً معنى أن يعيش الرجل طوال حياته في حالة جفاف!
أنا يائس اليوم، يائس جداً!
ترمقني تلك العلبة القابعة بجواري على المنضدة، ألتفت إليها بين الحين والآخر ورغبة عارمة تدعوني لأن أنهي حياتي بشريط من الدواء.
قلت لي يوماً بأنني لن أخسرك إن تمسكت بكِ، لكني أدرك جيداً بأنني لن أكسبك إذا ما تخلى الله عني، صدقيني يا جمان، مهما تمسكت بك لن أقدر يوماً على أن أحصل عليك إن تخلى الله عنا، فلمَ لا تقتنعين بهذا؟!
ألست المؤمنة، الواثقة بالله والقانعة بأقداره؟!
لمَ تصرين إذن على أن تقاومي الأقدار؟! لمَ تصرين على أن تدخلي نفسك في هذه المعمعة الألوهية الجبارة؟!
صدقيني ستطحنك الأقدار، ستعجنك الحياة عجناً، وستدركين يوماً بأنني لطالما كنت على حق.
أعرف بأنني لست في نظرك، «أحياناً» سوى رجل جبار، تظنين بأنني أستمتع بإيذائك ولا تدركين كم أخاف عليك وكم أخشى أن يمسك أي سوء بسببي ومن دوني.
في كل مرة كنت أبتعد فيها عنكِ، شيء ما في أعماقي كان يصلّي لله، كان يدعوه بشدة، يرجوه بقوّة أن يتدخل ويمنعني من الابتعاد عنكِ.
في كل مرة «أسعى فيها» لأن ننفصل، كنت أنشد يد الله لتعترض طريقي، فلا أتمكن ممّا أسعى إليه.
قلت لي مرة وأنت تضحكين: فداك عمري اللي قاعد يضيع وسمعتي اللي تشوهت، ترى رأس مالها عمر وسمعة!
قلتها يومها بسخرية، لكنها أوجعتني كثيراً يا جمانة، لأنني أدركت حينئذ أنّ أشد آلامنـا ألماً هي تلك التي نسخر منها، ولقد كانت سخريتك من نفسك مريرة يوم ذاك حتى شعرت بأنني أكاد أن أتسمم من تلك المرارة المضاعفة!
أتعلمين!
أنا لا أزال غير مدركٍ كيف أحب فتاة تختلف عني في كلّ شيء، فتاة لا يجمعني بها سوى أننا قارئان، وأننا نستمتع بالكتابة!
اليوم أشعر بأن هراقليطس يرقبنا في حياة أخرى شامتاً، ليؤكد لي بأنه لا يمكن تصور شيء من دون تصور نقيضه، أنا الذي لم أكن أؤمن يوماً بهذا، والذي لم يتصور وجود فتاة مثلك في الحياة.
اليوم، أعترف بأنك نقيضي الأبيض، بأنك ناصعة إلى درجة وهاجة، بأنك مضيئة، مشعة، متوهجة، مشتعلة البياض.
اليوم أعترف بأن بياضك حاد، وبأن نقاءك خام، وبأنني حالك جداً، بأن أعماقي مظلمة وأنَّ قلبي أدهم.
على الرغم من أن الليل والنهار يتداخلان ويتعاقبان، إلا أننا لا نعيشهما في الوقت ذاته، ولا أدري كيف أعيشك وتعيشينني رغم بياضك ورغم سوادي، رغم ضوئك ورغم عتمتي.
أنا ممتلئ اليوم بكل شيء، بالخوف، بالغيرة، بالحب، بالشوق، بالضعف الذي يجعلني عنيفاً وقاسياً وجافاً معكِ.
لا أدري لمَ تبسطين كل شيء يا جمانة، لمَ تظنين أن الحب بهذه البساطة، ولمَ ترين أن علاقتنا لن يعكرها شيء!

هناك تعليقان (2):